بتصرف عن الجريدة الإلكترونية “اليوم 24”
تشهد الولاية الحالية للبرلمان المغربي واحدة من أكثر الفترات إثارة للجدل في تاريخ المؤسسة التشريعية، بعدما ارتفع بشكل غير مسبوق عدد المتابعات القضائية والإدانات الصادرة في حق عدد من النواب في ملفات فساد مالي وإداري وانتخابي، فضلاً عن قرارات التجريد من العضوية التي طالت العشرات، في مشهد غير مسبوق يعمّق أزمة الثقة بين المواطن والمؤسسة المنتخبة.
ويجمع المراقبون على أن هذه الولاية تُؤرّخ لمرحلة حرجة من مسار البرلمان المغربي، الذي أصبح في نظر جزء واسع من المواطنين عنوانًا لتآكل المصداقية السياسية وتراجع منسوب الثقة في العمل التمثيلي.
ويرى متتبعون أن ما تشهده المؤسسة التشريعية من فضائح ومتابعات قضائية في حق بعض النواب، يُعدّ أحد أبرز المؤشرات على تفشي مظاهر الفساد وضعف آليات المراقبة والمحاسبة.
وفي المقابل، اعتبر الوزير المنتدب المكلّف بالعلاقات مع البرلمان، مصطفى بايتاس، خلال استضافته في قناة ميدي 1 الأسبوع الماضي، أن هذه المتابعات القضائية تمثل “مدخلًا جيدًا من مداخل محاربة الفساد”، مؤكداً أن “أكبر عدد من المحاكمات وقع في ظل الحكومة الحالية، وهناك مجموعة من الأشخاص ثبت تورطهم في ملفات مرتبطة بتدبير المال العام، وهم يُحاكمون اليوم”.
11 نائباً خلف القضبان وقرارات تجريد بالجملة
حسب معطيات اليوم 24، بلغ عدد النواب الذين أودعوا السجن حتى الآن 11 نائباً من أصل 395 عضواً انتُخبوا في اقتراع 7 شتنبر 2021، من بينهم نائب قضى سنة في السجن ثم عاد إلى ممارسة مهامه، في حين لا يزال اثنان في طور المحاكمة، والبقية جُرّدوا من عضويتهم بقرارات المحكمة الدستورية.
63 نائباً فقدوا مقاعدهم في سابقة برلمانية
سجلت الولاية الحالية رقمًا غير مسبوق من قرارات التجريد؛ إذ فقد 63 نائباً مقاعدهم داخل الغرفة الأولى، نصفهم بسبب تورطهم في قضايا فساد مالي أو إداري أو انتخابي، فيما فقد الآخرون مقاعدهم لأسباب مختلفة، منها حالات التنافي أو الوفاة أو الاستقالة أو عدم الأهلية.
ووفق التحليل ذاته، أصدرت المحكمة الدستورية 24 قرارًا بسبب حالات التنافي، و6 قرارات بسبب الوفاة أو الاستقالة، وألغت انتخاب 4 نواب لتصحيح النتائج، بينما 29 قرارًا كانت مرتبطة مباشرة بتهم الفساد وخرق القانون، من بينها 15 حالة بعد إدانة قضائية نهائية.
برلماني عن تازة ضمن المتابعين في ملفات الفساد
وتشير المعطيات إلى أن برلمانياً عن إقليم تازة يوجد ضمن لائحة النواب المتابعين في قضايا فساد، غير أنه لم يُجرّد من مقعده البرلماني حتى الآن، إذ ما تزال مساطر التقاضي جارية أمام القضاء.
ويأتي هذا ضمن قائمة تضم 24 نائباً متابعين في ملفات مشابهة، بعضهم نال البراءة ابتدائياً، وآخرون صدرت ضدهم أحكام استئنافية ينتظرون فيها مرحلة النقض.
وتكشف مصادر مطلعة أن عدداً من النواب المتابعين يسعون إلى تأخير مساطر التقاضي تفاديًا لقرارات التجريد، حيث عمد بعضهم إلى تأجيل التبليغ أو استئناف الأحكام بعد مرور فترات زمنية طويلة.
تؤكد الأرقام أن 47% من قرارات المحكمة الدستورية التي ألغت عضوية نواب منذ بداية الولاية الحالية كانت مرتبطة بتهم الفساد وخرق القانون، ما يجعل المؤسسة التشريعية أمام تحدٍّ حقيقي لاستعادة ثقة الشارع المغربي.
ويرى مراقبون أن استمرار هذه الممارسات سيؤدي إلى تآكل الثقة الشعبية في البرلمان، ويكرّس الصورة السلبية التي أضحت تلاحق ممثلي الأمة في نظر الرأي العام.
بين من يعتبرها “مرحلة تصحيح ومحاسبة” ومن يراها “انحدارًا خطيرًا لصورة المؤسسة التشريعية”، تبقى الولاية البرلمانية الحالية أكثر الولايات إثارة للجدل في تاريخ البرلمان المغربي، ليس فقط بسبب عدد المتابعات القضائية وقرارات التجريد، ولكن أيضًا لكونها تضع البرلمان أمام سؤال المصداقية والنزاهة، في انتظار ما ستكشفه السنوات المتبقية من هذه الولاية.