تعيش مدينة تازة في السنوات الأخيرة وضعاً متشابكاً تتداخل فيه رهانات التنمية المحلية مع إكراهات التدبير اليومي لمجموعة من الملفات الاجتماعية والخدماتية. فالمدينة، التي تُعتبر من بين أعرق الحواضر المغربية تاريخاً وحضارة، تواجه اليوم عدة مظاهر اختلال تؤثر بشكل مباشر على جودة حياة المواطنين، وتطرح علامات استفهام حول نجاعة السياسات العمومية المحلية ودور المجلس الجماعي المسير.
1. احتلال الملك العام
أحد أبرز المعضلات التي تشهدها تازة يتمثل في الانتشار الكبير لظاهرة احتلال الملك العام، سواء من طرف الباعة الجائلين أو بعض المحلات التجارية والمقاهي. هذه الوضعية تُربك السير العادي للطرقات وتُضيق على الراجلين وتُشوّه جمالية الفضاء العام. ورغم أن الظاهرة مرتبطة بعوامل اقتصادية واجتماعية، إلا أن تدبيرها يظل مسؤولية مباشرة للمجلس الجماعي الذي يمتلك صلاحيات تنظيم الأسواق وتحرير الملك العمومي، بما يوازن بين حق المواطنين في العيش الكريم وحق الجماعة في فرض القانون.
2. أوضاع المستشفى الإقليمي
القطاع الصحي بدوره يشكّل مصدر قلق كبير للساكنة. المستشفى الإقليمي ابن باجة، باعتباره المؤسسة الاستشفائية المركزية بالمدينة، يعاني من عدة إكراهات: ضعف البنية التحتية، قلة الموارد البشرية، ونقص التجهيزات الطبية. هذه الوضعية تُجبر العديد من المرضى على التنقل إلى مدن مجاورة قصد العلاج، وهو ما يضاعف معاناة الأسر. صحيح أن القطاع الصحي يدخل في اختصاصات وزارة الصحة بالأساس، غير أن المجلس الجماعي له دور تكميلي من خلال دعم المبادرات الصحية، وتوفير ظروف مساعدة، وإبرام شراكات لتجويد الخدمات.
3. غياب مشاريع تنموية مهيكلة
على مستوى التنمية، تظل المدينة في حاجة إلى مشاريع اقتصادية واجتماعية قادرة على خلق فرص الشغل وجلب الاستثمارات. فغياب مناطق صناعية نشيطة، وقلة المبادرات الموجهة للشباب، يساهمان في تفاقم البطالة والهشاشة الاجتماعية. هنا يظهر دور المجلس الجماعي في التخطيط الاستراتيجي والترافع أمام باقي الشركاء المؤسساتيين من أجل إدماج تازة في دينامية التنمية الوطنية.
4. الكلاب الضالة والخطر اليومي
من الظواهر الأكثر إلحاحاً بروز مشكل الكلاب الضالة التي تنتشر بشكل كبير في أحياء المدينة وضواحيها. وقد سُجّلت في مناسبات عدة اعتداءات خطيرة على مواطنين، بينهم أطفال ونساء. هذه الوضعية تثير مخاوف حقيقية لدى الساكنة، وتفرض على المجلس الجماعي وضع برنامج استعجالي يتجاوز الحلول الترقيعية، عبر مقاربة تحترم البعد الصحي والبيئي والإنساني.
5. تفاقم ظاهرة التشرد
ظاهرة المشردين والمتسولين بدورها باتت تزداد يوماً بعد يوم، مما يُبرز غياب سياسة اجتماعية مندمجة. ورغم أن هذا الملف ذو طبيعة متعددة الأبعاد (اجتماعية، صحية، أمنية)، إلا أن المجلس الجماعي يمكن أن يلعب دوراً محورياً من خلال عقد شراكات مع الجمعيات والمصالح الاجتماعية المختصة، لإيجاد حلول تراعي كرامة هذه الفئة.
الخلاصة :
إن الوضع العام بمدينة تازة يعكس تحديات كبرى تضع المجلس الجماعي أمام مسؤولية جسيمة. فالتدبير المحلي لم يعد يقتصر على الخدمات اليومية البسيطة، بل أصبح يقتضي رؤية استراتيجية شاملة تستحضر التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتستجيب لمطالب الساكنة في الصحة والأمن الحضري والعيش الكريم. وبين واقع الاختلالات وآمال المواطنين، يظل السؤال المطروح: هل سينجح المجلس الجماعي في الارتقاء بتازة إلى مستوى طموحاتها التاريخية والمجالية؟
✍️
عبد الإله زريق
كاتب فرع حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي بتازة
الكاتب العام لفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتازة