للمرة الثانية في أقل من شهرين، عاد مكتروا محلات الأوقاف بمدينة تازة إلى واجهة الاحتجاج، عبر تنظيم وقفة جديدة أمام نظارة الأوقاف، للتعبير عن رفضهم لما يعتبرونه “حيفا قانونيًا وتشريعيًا” تمارسه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في حقهم، على خلفية المادة 93 من مدونة الأوقاف التي تُثير منذ سنوات جدلًا قانونيًا واسعًا.
ورغم أن هذه الاحتجاجات انطلقت من تازة، إلا أن صداها لم يظل حبيس الرقعة الجغرافية للمدينة، بل امتد إلى مدن مغربية أخرى، حيث تتكرر الوقفات والنداءات المطالِبة بمراجعة المادة 93 من مدونة الأوقاف، باعتبارها تمس بشكل مباشر حقوق المكترين للعقارات الحبسية وتخل بمبدأ المحاكمة العادلة، حسب تعبيرهم.
ما الذي تنص عليه المادة 93؟
تنص المادة 93 من مدونة الأوقاف على ما يلي:
“الأحكام القضائية الصادرة لفائدة الأوقاف العامة في النزاعات المتعلقة بكراء الأملاك الحبسية تكون نهائية، ولا يجوز للمكتري أن يطعن في هذه الأحكام بالاستئناف.”
هذا النص، الذي يمنح الأوقاف امتيازًا قضائيًا استثنائيًا، يُثير تحفظات واسعة في الأوساط القانونية والحقوقية، ويُعتبر في نظر المحتجين خرقًا لعدد من المبادئ الدستورية والحقوق الأساسية، يمكن تلخيص الإشكالات المحيطة به في ثلاث مستويات:
1. الإخلال بحقوق الدفاع والمساواة أمام القضاء
يمنح النص التشريعي المذكور امتيازًا لفائدة الأوقاف العامة، بجعل الأحكام القضائية الصادرة لصالحها نهائية وغير قابلة للاستئناف، في حين يُحرم المكترون من ممارسة حقهم الطبيعي في الطعن، وهو ما يخل بمبدأ المساواة أمام القانون والحق في التقاضي المكفول بمقتضى الفصلين 118 و120 من دستور 2011.
2. خرق مبدأ التقاضي على درجتين
يُعد مبدأ التقاضي على درجتين من الركائز الأساسية للنظام القضائي المغربي، وأحد مقومات المحاكمة العادلة كما تنص عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، خاصة المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ومن هذا المنطلق، فإن حرمان أحد أطراف الدعوى من حق الاستئناف يُعد تضييقًا غير مبرر على حق الدفاع.
3. غياب التوازن في العلاقة الكرائية
العلاقة بين الأوقاف والمكترين، وإن كانت تقوم على كراء عقار حبسي، فهي من حيث الجوهر علاقة تعاقدية مدنية، ينبغي أن تخضع لمبادئ المساواة والتكافؤ في الالتزامات والحقوق. غير أن الصيغة الحالية للمادة 93 تمنح “حصانة قضائية” غير مبررة للأوقاف العامة، على حساب الطرف الضعيف في العلاقة، أي المكترين.
دعوات لتعديل تشريعي يعيد التوازن
وفي ضوء هذه المعطيات، يُجمع العديد من المكترين، ونشطاء حقوقيين وقانونيين، على أن المادة 93 بصيغتها الحالية لا تنسجم مع مقتضيات الدستور المغربي والمواثيق الدولية، وتستدعي مراجعة تشريعية شاملة تُعيد التوازن بين حماية المال الوقفي وضمان حقوق المتقاضين.
وفي انتظار أي تجاوب من الجهات الوصية، يبقى الشارع هو المنبر الذي اختاره مكتروا الأوقاف للتعبير عن تظلماتهم، وسط تساؤلات متزايدة حول مدى استعداد المشرّع لفتح هذا الملف الحساس، ووضع حد للاحتقان المتزايد في صفوف شريحة واسعة من المواطنين