
في أعماق دوار القبة بجماعة غياثة الغربية، يقيم محمد لمقيس، رجل أربعيني نذر حياته لفن النقش والنحت على الأحجار الطبيعية. وسط ورشة متواضعة بجوار منزله، ينبض الإبداع بين أنامله، حيث يُحول الحجارة الصماء إلى قطع فنية تنطق بجمال التراث وروح الأصالة.
تخلى محمد، منذ سنّ مبكرة، عن مساره الدراسي، ليس عن عجز أو يأس، وإنما بدافع شغف عميق بالمهنة التي استهوت قلبه منذ الطفولة. لقد اختار أن يسلك طريق الحرفة التقليدية، مؤمنًا بأن النحت على الحجر ليس مجرد صنعة، بل هو فن يتطلب الصبر والمهارة والخيال.
رغم محدودية الإمكانيات، استطاع هذا الحرفي الموهوب أن يطوّر مهاراته ذاتيًا، معتمدًا على التجربة والملاحظة، حيث يُبدع في صنع تحف حجرية تتميز بدقة التفاصيل ورقي التصميم، تعكس غنى الموروث الثقافي المغربي وتتناغم مع مختلف الأذواق.
ورشة محمد، وإن كانت صغيرة في الحجم، إلا أنها تحمل طموحات كبيرة. فهو يحلم بتوسيع مشروعه وتطوير أدواته وأساليبه، غير أن ضعف الدعم وقلة فرص الترويج والتسويق تظل من أبرز التحديات التي تعترض طريقه. ومن هذا المنطلق، يوجّه محمد نداءه إلى الجهات الوصية والمؤسسات المعنية لدعمه، سواء من خلال التكوين المستمر أو التمويل أو مواكبته في تثمين منتوجه.
كما يطمح محمد لمقيس إلى إيصال فنه إلى العالمية، من خلال تمكينه من المشاركة في المعارض الدولية، خصوصًا بأوروبا ودول الخليج، حيث يلقى الفن المغربي التقليدي تقديرًا واسعًا. ويؤمن بأن الانفتاح على أسواق جديدة من شأنه أن يفتح آفاقًا واسعة أمامه وأمام العديد من الحرفيين القرويين.
قصة محمد لمقيس ليست مجرد حكاية صانع تقليدي، بل هي نموذج للإصرار والإبداع في وجه التهميش، ودعوة صادقة إلى رد الاعتبار للحرفيين الذين يشتغلون في صمت، ويحملون مشعل التراث بقلوب مفعمة بالأمل.