الثقافية

إشراقات مضيئة حول الأغنية العصرية التازية: “أصوات قوية تم تهميشها” الحلقة الثانية: الفنان القدير ج. نورالدين العماري نموذجًا

بقلم عبدالحق بوعمر
مقهى زاكورة / طنجة البوغاز
13 أكتوبر 2024
في سبعينيات القرن الماضي، كانت مدينة تازة مهدًا للعديد من الألوان الفنية الأصيلة، التي شهدت ظهور رواد شكلوا جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الأغنية المغربية. من بين هؤلاء الفنانين العصاميين البارزين، يبرز اسم الفنان القدير ج. نورالدين العماري، الذي يعتبر من مؤسسي الأغنية العصرية التازية. تأثر الفنان العماري بعدة أسماء وطنية أثرت الساحة الفنية المغربية، سواء في طرب الأندلسي أو الملحون أو الأغنية العصرية، ومن بينهم المرحوم ج. محمد بوزوبع، محمد المراكشي، الكنار، الزياني، الحمداوية، وغيرهم.
الفنان ج. نورالدين العماري، الذي بدأ مسيرته الفنية منذ الصغر، يعتبر نموذجًا حقيقيًا للفنان العصامي الذي اجتهد وكدَّ بإخلاص ونكران ذات. منذ بداياته، دأب على حضور حلقات الذكر والمديح وجلسات طرب الملحون التي كانت تعقد بمقر النادي الشعبي في سوق الملاح، برئاسة شيخ الملحون أحمد بلغيث (بتشيكة) وعدد من كبار فناني الملحون الآخرين مثل الجيلالي كرام، الشقوبي، أحمد الشراط وأحمد بوعمر. وكان لهذا الجو الفني الأصيل دور كبير في صقل موهبة العماري منذ الصغر، حيث عاصر وشارك في حفلات الزفاف التقليدية التي كانت تُقام في تازة، وكان له دور محوري في هذه المناسبات، ما أكسبه الخبرة الفنية وأتاح له الفرصة ليصبح مغنيًا وعازفًا ماهرًا.
مع ظهور المدرسة الغيوانية التي أحدثت طفرة في المشهد الفني المغربي، لم يتأخر العماري عن ركوب موجتها، فأسس رفقة مجموعة من الأصدقاء، مثل سليمان وعبد الله وعائلة المجذوبي، فرقة “درقاوة”، التي حاولت إعادة إحياء الروح الغيوانية في تازة. هذه الفرقة ساهمت في إبراز موهبته وإدخاله عالم الطرب والغناء الشعبي.
تُعد قصيدة “الوالي سيدي عزوز” إحدى أبرز المحطات في مسيرة الفنان ج. نورالدين العماري، التي قدمها سنة 1985 عبر الإذاعة والتلفزيون المغربي، وحظيت بإشادة واسعة من المهتمين والمولعين بفن الملحون. القصيدة، التي تغنى بها الكبير والصغير، جعلت من العماري رمزًا في مجال الأغنية المغربية العصرية، وأكدت على قدرته في نظم وتقديم هذا الفن الأصيل.
إلى جانب موهبته الغنائية، كان الفنان العماري حاضرًا أيضًا في المشهد المسرحي، حيث شارك في أعمال مسرحية عديدة إلى جانب رواد الحركة المسرحية في المغرب، مثل فرقة “اللواء المسرحي”، وشارك في مهرجانات متعددة. يُذكر له دوره البارز في مسرحية “سيد المنسي” للفنان القدير ج.م. بلهيسي، حيث تقمص دور “المقعد المغني” بكل إتقان وإبداع.
ورغم هذا العطاء الكبير، فقد عانى الفنان ج. نورالدين العماري من التهميش والنسيان، كما هو حال العديد من الفنانين الذين قدموا الكثير للساحة الفنية المغربية، لكن لم يُمنحوا الاعتراف الذي يستحقونه. هذا التغييب المفتعل عن الساحة لم يُنقص من قيمة الفنان العماري ولا من صوته الشجي والطروب، الذي يظل محفورًا في ذاكرة عشاق الفن الأصيل.
في الختام، يبقى اسم الفنان ج. نورالدين العماري شاهدًا على إشراقات مضيئة في مجال الأغنية العصرية المغربية، ورمزًا للعطاء الفني الذي لا يُنسى. نسأل الله له الشفاء العاجل ونتمنى أن يُنصف في حياته، وأن يبقى اسمه خالداً في ذاكرة الأجيال المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى