جريدة الصباح: حميد الأبيض
أجج الوضع الصحي المتهالك في إقليمي تاونات وتازة، غضب سكانهما وفعالياتهما بعدما أظناهم طول انتظار “غودو” يخلص القطاع من أمراض مزمنة وخصاص جلي في الموارد البشرية واللوجستيكية، لم تنفع معه صيحات غضب أطلقت في فترات سابقة ويبدو أنها لم تجد آذانا مصغية لها. صيحات الامتعاض والاستياء تعلو وتتوسع أينما وجد مستشفى إقليميا كان أو مركزا صحيا أو مستوصفا قرويا، وموجة الغضب لم تقتصر على مرضى وذويهم، بل شملت مهنيين ونقابات جهرت باستمرار بحنقها على واقع مستشفيات ناقصة التجهيز والموارد، بشكل يؤثر سلبا على علاقات المستخدمين بالمرتفقين لحد وقوع اصطدامات دموية.إعداد: حميد الأبيض (فاس)
مسنة بتازة ستنتظر سنتين موعدا للاستفادة من فحص ب”السكانير” في مستشفى ابن باجة، وسوء معاملة حامل في نظيره بتاونات وتحوله نقطة عبور إلى فاس، أججا غضب فعاليات دعت للخروج للاحتجاج على تردي الخدمات الصحية في وقفة إنذارية أمام المستشفى الإقليمي بتاونات حدد مساء الاثنين 25 غشت، موعدا لها.
“سير حتى تموت”
“سير حتى تموت”… أبلغ عبارة وتعليق على موعد طبي منح لمريضة بتازة حدد لها يوم 20 أبريل 2027 تاريخا لإجراء فحص ب”السكانير” في مستشفى ابن باجة بتازة. ستنتظر 20 شهرا لتستفيد من خدمة في موعد طبي مفروض أن يكون “مستعجلا”، ما أثار موجة غضب وحنق واستنكار متفاعلين حولوا “الموعد” مادة للسخرية.المريضة عمرها 62 سنة وتعاني من ارتفاع الضغط في العين، خضعت لمعاينة طبية بواد أمليل قبل إحالتها على المستشفى الإقليمي لإجراء فحص ضروري، لتفاجأ والرأي العام بمنحها هذا الموعد “الطويل”، دون اعتبار لما يقتضيه وضعها الصحي من تدخل عاجل لتفادي أي مضاعفات خطيرة قد تؤثر على بصرها أو تتسبب في فقدانه.تسريب ورقة الموعد أو “الفضيحة الحقيقية” كما وصفها البعض، أجج النقاش المحتدم وموجة الغضب وألهب مواقع التواصل الاجتماعي التي صب روادها جام غضبهم على قطاع “مريض” يعاني أزمة بنيوية تزداد سوءا بتازة وتاونات، المحتاج مواطنوهما للرعاية الصحية اللازمة ولكل ما يصون كرامتهم “المهدورة”.هذا الحادث أحيى نقاشا حول واقع الخصاص الكبير في التجهيزات والموارد البشرية بالمستشفى الذي يعيش “بدون طبيب مختص في الأشعة )الراديو( بعد تنقيل أربعة أطباء”، والنتيجة حسب عبد الإله زريق كاتب عام فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتازة، “مواعيد مؤجلة إلى 2027، ومعاناة بلا نهاية للمرضى”.وتساءل “كيف يمكن لمستشفى إقليمي أن يترك بلا أطباء راديو؟، أليس القطاع هو العمود الفقري للتشخيص الطبي؟، كيف سيتابع الأطباء الحالات المرضية بدون صور أشعة وبدون تقارير دقيقة تساعدهم على تحديد العلاج؟”، مضيفا “المؤلم أن المرض لا ينتظر، والمواطن الفقير لا يملك ترف التوجه للمصحات الخاصة”.
“سبيطار سير لفاس”
خروج فعاليات تاونات وسكانها، للاحتجاج ودعوتهم لوقفة مساء الاثنين 25 غشت أمام المستشفى الإقليمي، تجد لها مبررات ودوافع وأسبابا، بعدما أظناهم انتظار حقهم في الصحة بعد تحول هذا المستشفى لمجرد نقطة عبور إلى فاس، كما مختلف المراكز الصحية بغالبية الجماعات، التي تعاني الخصاص في الموارد البشرية واللوجستيكية.“وقفة الكرامة لأجل الحق في الصحة” عنوان اختاروه لوقفتهم للمطالبة بحقهم في التطبيب في غياب عدد كاف من الأطباء والممرضين بكل المراكز الصحية حتى أن مرتفقي بعضها ينتظرون عودة طبيب مؤقت من العطلة للعلاج من أمراض لا يحتمل علاجها تأجيلا على غرار مركز بني وليد “الفاقد” لطبيب رسمي منذ كورونا.الشكل الاحتجاجي أمام المستشفى الإقليمي، جاء بعد ساعات قليلة من تداول رسالة وجهها مستشار جماعي بعين عائشة إلى كل من يهمه الأمر من مسؤولي القطاع والحقوقيين، وسرد فيها تفاصيل “إهانة” ومحاولة “تصدير” قريبته الحامل إلى مستشفى فاس الجامعي، رغم أن حالتها عادية وسبق لها الوضع بشكل طبيعي ثلاث مرات.لم يخف المستشار نور الدين حساني، في رسالته للمديرية الجهوية لوزارة الصحة والمديرية الإقليمية وإلى مدير المستشفى وجهات أخرى، امتعاضه من سوء استقبال ومعاملة وتردد في تقديم المساعدة لامرأة عند الوضع في واقعة تعود إلى مساء 29 يوليوز الماضي، لما حلت بجناح الولادة بالمستشفى من دوار بجماعة عين عائشة.“بعد دقائق قليلة جدا ودون أي تعامل لائق لا نفسي ولا تمريضي رغم ما يظهر عليها من وضع المخاض، سلمتنا ممرضة أمر توجيه لمستشفى فاس”، رغم أن الحامل تتوفر على تقرير طبي عن سلامة جنينها وأن صحتها جيدة. كما كشف ذلك في رسالته سرد فيها تفاصيل واقعة تبكي العيون والأفئدة، قبل وضعها بشكل طبيعي.
تموين ناقص بالمستلزمات
لم تكن النقابة الوحيدة الغاضبة على حال قطاع الصحة، بل أيضا النقابة الوطنية للصحة )ك. د. ش( التي أغضبها عدم تزويد المستشفى الإقليمي بالأدوية والمستلزمات الطبية والكواشف المخبرية بشكل دوري ومنتظم، مطالبة بإمداده بالتجهيزات الضرورية وتحسين ظروف إيواء المرضى والرفع من نسب الاستشفاء بمصالحه.هذه النقابة القطاعية دعت للحد من التوجيه إن لمستشفيات فاس أو القطاع الخاص، متحدثة عن نسب متدنية في استشفاء المرضى بمختلف مصالح المستشفى الإقليمي، وسيادة “التسيب والفوضى”، لكن مسؤوليه “لم يروا من المجمر المقلوب سوى موظف عرف برزانته ونزاهته وحضوره اليومي بمقر عمله”، أعلنت تضامنها معه.من جانبه دعا منتدى كفاءات تاونات “للاهتمام بالصحة العمومية للمواطنين بالإقليم وتعزيز المستشفى الإقليمي والمراكز الصحية بالأطباء المختصين والموارد البشرية الكافية” بلغة بيان أصدره وطالب فيه بتحقيق وتفعيل العدالة المجالية والوفاء بالالتزامات التنموية لفائدة الإقليم الذي يعاني هشاشة على كل المستويات والقطاعات.ويقول المنتدى في تقرير له إن “إقليم تاونات يعرف خصاصا مهولا في الخدمات الصحية، ويتذيل الترتيب في عدد الأسرة ب1.3 لكل 10 آلاف نسمة، والأطباء فقط 1.33 للعدد نفسه، أما الممرضين فعددهم لا يتجاوز 5.8 ممرضين لكل 10 آلاف نسمة”، داعيا للاهتمام بالصحة العمومية للمواطنين وتعزيز المستشفيات بالأطباء.
نقابات قطاعية غاضبة
تردي الخدمات الصحية بهذا المستشفى، لم تفضحه رسالة المستشار فقط، بل أيضا نقابات قطاعية طالما جهرت باستيائها من واقع لم تخف تأثيره على السير العادي والطبيعي للمرفق وما يتسبب فيه من اصطدام يومي مباشر مع الوافدين عليه من 49 جماعة قروية وحضرية بإقليم قدره أن يعيش تهميشا على كل المستويات.“انعدام شبه كلي للأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية وعدم توفير كليشيهات التصوير بالأشعة” و”حالة مقلقة لأسطول سيارات الإسعاف وجزء كبير منها غير صالح لنقل المرضى” تختصر الجامعة الوطنية للصحة (إ. م. ش) بتاونات حالة المستشفى الإقليمي ما “يهدد مباشرة حياة المرضى” في ظل “اعتماد سياسة الترقيع العشوائي”.النقابة قلقة لغياب “مخاطب إداري مسؤول قادر على التفاعل الفوري مع قضايا الشغيلة”، مع وجود اختلالات تنظيمية مهنية “أصبحت تؤثر على جودة الخدمات خاصة في حالات نقل المرضى في وضعيات حرجة، ما يعرض حياتهم إلى تدهور خطير بسبب مرافقتهم من طرف أطر صحية تقوم بمهام لا تدخل ضمن اختصاصها”.وأوضحت أن مهام غير أصلية فرضت على الأطر، من قبيل “تنبيب” المريض أو التعامل مع الأدوية المخدرة، ما يشكل “مساسا صارخا بسلامة المرضى وبالسير العادي للمصلحة”، مشيرة إلى عدم إصدار أوامر بالمهمة لاستعمال سيارات الإسعاف من قبل الجهة المخولة قانونا، ما يسبب في ارتباك تنظيمي وخطورة على حياة المريض.هذه النقابة بدت غاضبة على التدهور الخطير والمستمر للأوضاع بالمستشفى في “ظل تعنت الإدارة وغياب أي مؤشرات حقيقية لمعالجة الاختلالات الهيكلية والمهنية”، مطالبة بتوفير سيارة مصلحة مخصصة للمهام الإدارية بدل استنزاف سيارات الإسعاف المخصصة لنقل المرضى، تفاديا لأي مساس بجاهزيتها وسلامة المستفيدين منها.