بقلم: عمار قشمار
في العديد من الإدارات العمومية والجماعات الترابية، تتكرر ظاهرة مقلقة بدأت تُسيء بعمق لصورة المرفق العمومي وتُقوّض فعاليته: موظفون يتغيبون باستمرار، يستخفون بالتراتبية الإدارية، ويستقوون بانتمائهم النقابي للتهرب من المحاسبة.
هؤلاء لا يكتفون بالتقاعس عن أداء واجبهم المهني، بل يتباهون بحضورهم المكثف في الوقفات والاحتجاجات، كأنهم يحملون همّ شعوب بأكملها، بينما ملفاتهم ومهامهم اليومية مركونة جانباً. الغريب أن بعضهم يتقاضى أجوراً سمينة، ويشغل درجات إدارية عليا، دون أن يُقابل ذلك بأي إنتاج ملموس أو أثر فعلي.
والمفارقة المؤلمة، أن العامل البسيط في ورش بناء، الذي يتقاضى بالكاد 100 درهم في اليوم، يعمل بكد وتفانٍ، بينما هؤلاء الموظفون – “فوق العادة” – يملأون صفحاتهم على فيسبوك بحِكم وعِبَر، وصور مع الزعماء النقابيين، وكأنهم أعمدة التغيير وركائز النضال الوطني.
لا أحد يشكك في شرعية العمل النقابي.
بل بالعكس، هناك مناضلون شرفاء نذروا أنفسهم للدفاع عن كرامة الشغيلة، وهم كثر في مختلف أقاليم الوطن. هؤلاء لا يشملهم هذا النقد. الحديث هنا عن فئة اختارت تحويل العمل النقابي إلى حصانة مطلقة، تهرباً من المسؤولية، ووسيلة لحماية المراوغين، وفرض واقع إداري مُشوّه.
هذه الظاهرة، التي بدأت تطفو على السطح بشكل أكثر وضوحاً، لم تعد حكراً على قطاع معين، بل طالت الجماعات الترابية، والتعليم، والصحة، وبعض الإدارات التقنية، حيث يشعر الموظف المجتهد بأنه يُعاقَب بصمته، في مقابل مكافأة “الضجيج”.
فأين الضمير المهني؟
بل أين آليات التقييم والتتبع الإداري؟
كيف نُراهن على النجاعة، والتنمية، والتجويد، في ظل إدارة تتهاوى بين جهد القلة، وتسيّب البعض؟
الوقت قد حان لإعادة ضبط الميزان:
⚖️ توازن بين الحقوق والواجبات
🛑 محاسبة عادلة دون محاباة
🔎 العمل النقابي النبيل يجب أن يبقى أداة للدفاع عن الشغيلة، لا مطية للتهرب والتسلّق.
هو صوت للقوة العاملة، لا قناع للهروب من المسؤولية.
إن السؤال المطروح بإلحاح: أين الضمير؟
بل: أين آليات التتبع والتقييم؟
كيف يمكن للإدارة أن تتقدم وتحقق النجاعة المنشودة في ظل موظفين يتقاضون الأجور والتعويضات دون أن يقابلها إنتاج حقيقي؟
الوقت قد حان لإعادة التوازن بين الحقوق والواجبات، و للمحاسبة العادلة أن تشمل الجميع، دون تمييز أو محاباة، فالمرفق العمومي لا يمكن أن يظل رهينة لفئة قليلة قررت أن تشتغل وفق هواها، خارج كل منطق مهني أو أخلاقي.
والعمل النقابي يجب أن يبقى عملا تؤطره الأخلاق والمبادئ والنقاء وليس لغة الهروب من الواجبات…يجب أن يبقى العمل النقابي رمزا للقوة العاملة وليس مطية…