الرأي

بويبلان… مملكة الثلوج

سلسلة جبال يكسوها البياض ومطالب بتشجيع وإقامة محطة للتزلج على الجليد

لم تعد إفران وحدها تجلب اهتمام هواة الثلج وجمال الأرض في حضنه، وتنافسها تدريجيا مناطق لم تنل حظها من اهتمام إعلامي “انجرف” ل”سويسرا المغرب” ناسيا أو متناسيا ضاحيتها التي تتوفر على مؤهلات سياحية متميزة تزداد غنى بثلج يزمن في أعلى قمة جبل بويبلان، على حدود أقاليم تازة وصفرو وبولمان، أو “مملكة الثلج” كما ينعته كل من خبر مفاتنه الطبيعية النادرة.

إعداد: حميد الأبيض (فاس)، جريدة الصباح الصادرة اليوم الثلاثاء 28 يناير 2025

نفضت جبال الأطلس غبار الحزن عن أشجارها. وتزيت فرحا لا حدادا، ببياض ناصع رسم لوحات طبيعية جميلة تسر العين وتحيي الأمل في نفوس أضناها أرق انتظار الفرج. ثلوج كثيفة أحيت الأرض والشجر وأنعشت حلم بشر ابتهج لهطولها بعد طول انتظار، لترسم خارطة طريق أمل تجدد برهان وتطلعات أكبر لمساهمتها في تنمية مفقودة.
توافد الزوار للاستمتاع بما رسمه الثلج دون حاجة لريشة فنان، من لوحات طبيعية فاتنة، وأحيى أمل سكان المناطق الثلجية، في انتعاش مدخولهم من مهن موازية وسياحة واعدة، يدفئ جيبوهم المثقوبة في زمن وأد الجفاف فلاحتهم المعاشية، في انتظار عيون رسمية تلتفت لمؤهلات يمكن أن تشكل قاطرة للتحليق عاليا في عالم التنمية.

شموخ جبل

بويبلان ليس جبلا وحيدا في طبيعة خلابة. إنه سلسلة جبال مترامية منه إلى بوزعبل وموسى وصالح و”سغلة” أو جبل الحجارة والأرز، أصغرها على علو 2400 متر، وجميعها مكسوة بالثلج يزمن أكثر في دوار تاسرة أعلى قمة ببويبلان أكثر القمم تزويدا وتغذية للفرشة المائية والأنهار بالماء.
الوصول إلى بويبلان ممكن من اتجاهات مختلفة، ولو استعصى ذلك في طرق مهترئة تحتاج التفاتة رسمية. مسارات متعبة للراغب في زيارة جبل لا تضاهيه قمة في شموخه. لكن التعب يمحوه جمال المكان سيما وقد ارتدى رداء أبيض ابتهاجا من أرضه وناسه الذين يتحملون قساوة البرد وواقع “الحكرة” لأجل عيون لحظة ابتهاج بتهاطل الثلج.
“تهاطل الثلوج تنبري له الطبيعة برسم لوحة فنية مذهلة يتراقص البياض في تأثيثها بكل الرقة فوق أشجار تزداد سحرا بردائها الأبيض” و”بعد أن يسود البياض تثلج الصدور وتنتعش النفوس الطاهرة ذات القلوب البيضاء” بتعبير نادي السياحة الجبلية بإيموزار مرموشة أكثر الأندية نشاطا وتعريفا بالمؤهلات السياحية لهذه المنطقة.
الثلج خط قصته البيضاء بمداد الفخر، والبياض تسيد قمما محيطة ب”مملكة الثلج” وطرق مفضية إليه من اتجاهات تاهلة وتازة ومرموشة وغيرها. ومنها تزداد صور الطبيعة جمالا وقد انعكست أشعة الشمس على مسارات تسر عين مشاهدها فتبتهج نفسه وفؤاده لما ملأ أفق المكان، من سحر طبيعي خال من كل مساحيق التجميل والتنميق.
“لما يعانق البياض قمم جبل وتضفي الشمس لمساتها الذهبية على بساط الثلج، تبدو الطبيعة لوحة من الخيال فتتلألأ حبات الثلج كأنها نجوم سقطت من السماء لتزين الأرض” يكتب مصطفى أوالحاج أحد أبناء المنطقة متفاعلا مع صور وأشرطة فيديو كاشفة جمال الطبيعة في حضن البياض، تعبيرا عن فرحة تطول الأرض والشجر والإنسان.

دورة اقتصادية

“في بداية توافد السياح لاكتشافهم بويبلان لأول مرة، اقترحنا على السكان تحويل منازلهم إلى مآو فكرة نجحت تدريجيا ما يؤكده توفر المنطقة على ستة مآو يكثر الإقبال عليها كلما تهاطلت الثلوج” يقول المهندس ميغيس، مشيرا إلى انتعاش الدورة الاقتصادية بين الأهالي ووسط طباخين ومرشدين سياحيين وفرق فلكلورية.
ويؤكد أن عدة فئات انتعشت من مدخول أنشطة موازية للإقبال السياحي على المنطقة، بمن فيهم أصحاب وسائل النقل وجمعيات فرق أحيدوس التي تنشط جولات سياحية منظمة، إضافة لأصحاب المآوي ليس فقط في بويبلان، بل امتدادا إلى مرموشة ودواوير بجماعة إغزران وعلى طول سلسلة بوناصر والمناظر الساحرة بالمسارح وآيت حسان.
وأوضح الجمعوي رشيد بنحمو أن أفراد عائلات معروفة تنشط في مجال الإرشاد بتنسيق مع دور الضيافة التي تضمن الإيواء والإطعام، يرافقون الزوار مجموعات وفرادى للوصول إلى القمم المقصودة والعودة بسلام إلى حين المغادرة إن في جبل بويبلان أو سلسلة تيشوكت بقممها لهري وللا أملبانت وبويدورن، أو بسكورة مداز.
“ثقافة الرندة ساهمت في انتعاش السياحة الجبلية محليا في كل فصول السنة وليس فقط بسبب الثلوج” يقول أحمد تاصفصافت صاحب مأوى زروال الإيكولوجي بمرموشة ويعتبر قبلة سياحية لمرتادي السياحة الجبلية والطبيعية، دون أن ينكر ولع زوار ببياض الطبيعة والشلالات والحامات والقلاع والقمم الشامخة والغابات ومزارات أخرى.
كل ذلك يستهوي سياحا، كما أن “للثلج عشاقه” يستقطبهم مالكو ومسيرو دور الإيواء والضيافة، سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في وصلات إشهارية وأشرطة فيديو تسويقية لما تزخر به المنطقة من نفائس سياحية، تبث “للتعريف بالقمم والسلاسل الجبلية والموروث الثقافي والتاريخي للمنطقة عبر وسائل بسيطة” يقول رشيد بنحمو.

إقبال متزايد

“أغلب عشاق الجبال والرياضات الجبلية، يستبدلون المنتجعات المألوفة كلما قل الثلج بجبال أوكايمدن وهبري وميشلفين، فيتوجهون إلى الأطلس المتوسط الشرقي، بحثا عن بدائل سياحية ممتعة على غرار محطة التزحلق المعطلة قرب بويبلان وفي اتجاه قمة موسى وصالح” يقول رشيد بنحمو مولع باكتشاف نفائس المنطقة السياحية.
ما أن تتهاطل الثلوج بسلسلة تيشوكت وبويبلان وبوناصر وتتداول صور بذلك افتراضيا، حتى “تهرع عائلات إليها للاستمتاع بمناظر أخاذة وبياض ناصع رسم لوحات فنية مع أشعة الشمس الدافئة، إن فرادى أو عبر مجموعات سياحية منظمة” يؤكد بنحمو، متحدثا عن تزايد إقبال السياح على المناطق الثلجية بالأطلس المتوسط الشرقي.
تزايد الإقبال حقيقة زكاها المهندس مراد ميغيس رئيس مركز عطاء للتنمية، مؤكدا أن تسليط الضوء الإعلامي على المنطقة وتوافد قوافل جمعوية داعمة سيما بعد وفاة راعي الغنم وسط الثلوج، زاد من إشعاعها وشهرتها التي امتدت للخارج بتسجيل زيارات متعددة لجبل بويبلان من قبل سياح أجانب من هواة الصعود للجبل وتسلقه.
وأورد أرقاما مؤكدة سجلت توافد ومبيت أكثر من 250 سائحا من خارج المنطقة، في مآوي المنطقة نهاية الأسبوع الماضي تزامنا مع تساقط الثلج، دون احتساب أشخاص يكتفون ضمن مجموعات وافدة بصعود جبال بويبلان وأوناصر وموسى أوصالح، ما يساهم في الدفع بعجلة التنمية إلى الأمام في أفق توفير البنيات التحتية الضرورية.
وفي انتظار ذلك “تبقى السياحة ببويبلان موسمية فقط إبان تساقط الثلوج لا أقل ولا أكثر، ربما وسائل التواصل الاجتماعي، تلعب دورا رئيسيا في الدعاية وتسويق المنطقة” يقول زميله محمد بنحدو، متمنيا تحقيق كل أمنيات المهنيين في المجال، كي “لا يبقى النشاط السياحي منحصرا فقط في ظرف شهر أو شهرين على أقصى تقدير”.

خدمات متنوعة

“الجميع مجند للسهر على راحة الزائر بوسائل بسيطة في شكل غرف مجهزة وأكل ووسائل نقل لإرضائهم وتحقيق مبتغاهم بحسن المعاملة والبساطة والسلامة في التعامل، وبأثمنة مناسبة جدا تكرس كرم سكان يحرسون على إرضاء زائريهم وضمان عودتهم في أمان وسلام إلى مسقط رؤوسهم” يقول بنحمو استنادا لتجربته في هذا المجال.
“ليست هناك مغالاة في الأسعار ولا أي استغلال لمناسبة، الأثمنة معقولة وفي متناول الكل ولا تتجاوز 100 درهم للغرفة الواحدة المجهزة بحمام ومرحاض. النظافة وحسن الخدمة معتادان وضمن تقليد ندأب عليه” يقول أحمد تاصفصافت، متحدثا عن استقبال حار وكرم حاتمي مع كل ضيف “نؤويه ونكرمه ونحضنه بأقل سعر ممكن”.
ويضيف “نبني قاعدة سياحية للمستقبل كي نزيد من نسبة الإقبال على المنطقة وتسويقها سياحيا وطنيا ودوليا، ولا يهم الربح ولا نطمع أن يكون مغالى فيه على حساب سمعة مآوينا”، مشيرا إلى استقبال مأواه سياحا من مدن الرباط والبيضاء والعيون وطنجة ووجدة وأكادير ومراكش وغيرها، وآخرين أجانب، سيما ضمن رالي المغرب.
وقال “لنا حجوزات على مدار السنة، ورقم حجوزاتنا فاق 18 ألف سائح استقبلناهم منذ إحداث المأوى، 70 في المائة منهم أجانب”، مؤكدا وجود تنسيق مع 7 وكالات أسفار دولية من البرتغال وسويسرا وألمانيا وإسبانيا وتشيكوسلوفاكيا، تنظم رحلات لعائلات ومجموعات شبابية، سيما من هواة راليات السيارات والدراجات النارية.
وساهم إشعاع مآوي المنطقة المنتظر دعمها بإقامة أخرى بتالزمت والمرس، في التعريف بجبل بويبلان ومرموشة وناحيتهما، سيما أمام بث فقرات عنها بقنوات وجرائد ومواقع عالمية وذكر مآوي ومنها “زروال”، في مؤلفات لرحالة صنفوها ضمن أفضل وجهات وإقامات شجعوا على زيارتها لما تتسم به من جمالية وجودة خدمات متنوعة.

دعوات لإحداث قطب سياحي مندمج

زادت الدعوات الشبابية لتنظيم رحلات لبويبلان من مختلف المدن والأقاليم، وتضاعفت شهرة جبل شامخ يفتن بياض ثلجه زواره، حالمين بتوفير مرافق وخدمات أجود من المتوفر، وأطلق أبناء المنطقة نداءات لتسويقه بما يضمن تحويله قطبا سياحيا مندمجا تنزيلا لعريضة سبق إطلاقها في إطار تفعيل آليات المشاركة المواطنة.
ناشطون مدنيون بجهة فاس وقعوا عريضة طلبا لإحداث هذا القطب وإدراجه ضمن أولويات العقد البرنامجي للجهة، وتجاوز واقع تعطيل مؤهلات بويبلان، متمنين أن تجد مبادرتهم آذانا ضاغية لها ولدعوات من أبناء الجبل لفك العزلة عنه والنهوض به وتحقيق عدالة مجالية وفتح مآو جديدة لإيواء السياح وعابري الطريق الوطنية 29.
ويشكل إحياء محطة التزلج بسفح سلسلة بويبلان قرب تيسروين، أهم مطلب آني باعتبارها منشأة يعول على إصلاحها وإعادة تشغيلها للنهوض بالسياحة الرياضية وما يرتبط بها من أنشطة مدرة للدخل، لحد أن المهندس مراد ميغيس اعتبرها “زر التنمية” بأعالي جبال بويبلان، و”عندما يصبح هذا الزر شغالا، سيصبح للتنمية معنى هنا” بتعبيره.
“الثلج ها هو والمعدات فينا هي” يكتب مراد ميغيس، رئيس مركز عطاء للتنمية، متفاعلا مع مآل مشروع محطة التزلج بعدما شيدت في 1972 على ارتفاع يقارب 3192 مترا عن سطح البحر باعتبارها من أعلى القمم في المغرب، في إطار مشروع سياحي ملكي أطلقه المرحوم الحسن الثاني، متأسفا لعدم اشتغالها منذ عقود خلت.
“يعتبر استكمال هذا المشروع، ضرورة ملحة لجلب مستثمرين للنهوض بالقطاع السياحي وتسليط الضوء أكثر على هذه المنطقة لتكون رافعة للتنمية السياحية” يقول هذا المهندس، مطالبا بإخراج مشاريع أخرى يمكن أن ترفع التهميش عن السكان والمنطقة، من قبل منتجعات سياحية وتشجيع السياحة الجبلية عبر مساعدة مآو ومطاعم.
إحداث محطة دولية للتزلج على الجليد بجبل بويبلان، مشروع اقترحته فعاليات جمعوية ونقله البرلماني أحمد العبادي في سؤال بالبرلمان، داعيا لاستثمار إمكانيات بويبلان في المجال باعتباره “الجبل الوحيد بالمغرب الذي يبقى مكسوا بالثلوج من أكتوبر إلى يونيو”، لإقامة محطة تزلج يمكن أن تحتضن تظاهرات قارية ودولية.

الحاجة لبنيات تحتية

“لا نتعامل مع السائح بمنظور مادي صرف، بل نبني مشروعا مستقبليا ولأجل إنجاحه يجب التضحية وتقديم تنازلات” يقول المستثمر تاصفصافت الباحث في مجال السياحة الإيكولوجية، متمنيا توفير بنيات تحتية كفيلة بإنجاح سعي المهنيين لتطوير القطاع والرفع من حجم الإقبال السياحي على بويبلان وناحيته إن إبان تهاطل الثلوج أو دونها.
“نحتاج طرقا ميسرة للولوج الآمن ومرافق وبنيات إيواء بشروط الجودة اللازمة” يقول تاصفصافت، و”تشجيع السياحة يحتاج مرافق موازية بما فيها تهيئة المواقع بمطاعم وفنادق، إذ لا يمكن الاعتماد على المآوي وحدها لاستقطاب عدد كبير من الزوار، ويجب توفير مركبات رياضية لممارسة الزائر لهواياته” يقول المهندس مراد ميغيس.
وتحدث عن عدة عراقيل تحول دون تحقيق حلم المهنيين وتطوير السياحة الجبلية بالثلج ودونه، منها حالة الطرق المهترئة وغير المعبدة المؤدية لبويبلان من جهات تازة وتاهلة ورباط الخير وأدرج ومرموشة، وعادة ما تنقطع شتاء ويحتاج عبورها سيارات رباعية الدفع، ولو أصلحت وهيئات من جديد، لساهمت في رفع التهميش الواضح.
“الطريق مرهقة ومتعبة ويجب الالتفات إليها وبناء مندوبية للسياحة بالإقليم للسهر على تكوين المرشدين وتنظيم القطاع وتحفيز مهنييه بما يضمن تطوير تدخلاتهم” يقول مراد، متمنيا توفير ملاعب ومدارات للجري لاستقطاب رياضيين، سيما العدائين منهم ممن يتيح لهم علو جبل بويبلان، إمكانية التدريب الأفضل من إفران.
حاجيات أخرى وأولويات تفرضها أي رغبة في إنعاش السياحة الجبلية بالمنطقة المتاخمة ل3 أقاليم، إضافة إلى إصلاح وتعبيد مسالك الولوج. ومنها الربط بالماء والكهرباء وتوفير تغطية للهواتف المحمولة ووحدة قارة للتمريض والإسعاف، وتجهيز المكان بمرافق صحية وتوفير موارد بشرية ولوجستيكية مختلفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى